الأربعاء، 17 أبريل 2013

الإسلام الذاتي والإسلام الوراثي في فكر بن باديس

اليوم صباحا دار بيني وبين زملائي نقاش راق جميل ،كان من أجمل النقاشات التي كنت طرفا فيها حول فقرة من كتاب آثار عبد الحميد بن باديس يتكلم فيها عن الإسلام الذاتي سبقها كلام عن الفرق بينه وبين الإسلام الوراثي  واجتمع في هذا النقاش السلفي والصوفي والإخواني وغير المنتمي في جو أخوي هادئ بديع عمت فيه الفائدة الجميع .
يقول العلامة عبد الحميد بن باديس : 
هذا الإسلام الذاتي هو الذي أمرنا الله به في مثل قوله تعالى : ((قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ))، فبالتفكير في آيات الله السمعية وآياته الكونية وبناء الأقوال والأعمال والأحكام على الفكر، تنهض الأمم فتستثمر ما في السماوات وما في الأرض وتشيد صروح المدينة والعمران.
فالله سبحانه يطالبنا في هذه الآية بالتفكير والتأمل والنظر في آيات الله السمعية وهي القرآن وآيات الله الكونية ، وبهذا تنهض الأمم وتشيد صروح المدنية والعمران . وهذا ما أسماه العلامة بن باديس بالاسلام الذاتي الذي يكون فيه المسلم فاعلا لا مفعولا به ولا متفاعلا فيقدم الإضافة لوطنه وأمته وهذا عكس الإسلام الوراثي الذي يدينه أكثر أهل زماننا فيولد المرء من أبوين مسلمين فيعد مسلما، فيشب ويكتهل ويشيخ وهو يعد من المسلمين. تجري على لسانه وقلبه كلمات الإسلام. وتباشر أعضائه عبادات وأعمالا إسلامية، فراق روحه أهون عليه من فراق الإسلام، لو نسبته لغير الإسلام لثار عليك أو بطش بك ولكنه لم يتعلم يوما شيئا من الإسلام ولا عرف شيئا من أصوله في العقائد والأخلاق والآداب والأعمال، ولم يتلق شيئا من معاني القرآن العظيم ولا أحاديث النبي الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم. فهذا مسلم إسلاما وراثيا لأنه أخذ الإسلام كما وجده من أهله، ولابد أن يكون – بحكم الوراثة – قد أخذه بكل ما فيه مما أدخل عليه وليس منه من عقائد باطلة أو أعمال ضارة وعادات قبيحة. فذلك كله عنده هو الإسلام، ومن لم يوافقه على ذلك كله فليس عنده من المسلمين . فهذا الإسلام المبني على الجمود لا يمكن بحال من الأحوال أن تنهض به الأمم وإنما تنهض الأمم بالعلم والتعلم ودراسة كل العلوم دراسة معمقة وفهمها وعدم الاقتصار فقط على العلوم الشرعية فنحن مسلمون لكن في الأرض ، لأننا مسلمون علينا دراسة العلوم الشرعية ولأننا في الأرض إذا علينا دراسة العلوم الأرضية والكونية والتجريبية وهكذا تتحقق نهضة الأمم .

صهيب قمرة 

5 التعليقات:

  1. هاك نقطتان اريد الحديث عنهما في هذا المقام :

    الاول : موضوع جميل و قد فصل فيه الامام الغزالي في الاحياء : قد قسم الغزالي العلوم الى قسمين : خلاصة ما قاله ان كل علم يقودك الى معرفة الله فهو علم آخرة و كل علم يقودك الى حاجة نيوية فهو علم دنيا

    و علم الآخرة اشرف من علم الدنيا و اعلى مقاما عند الله ، فان كانت الرياضيات تعرفك على الله كما يرى افلاطون انها تدريب روحي فهي من علم الآخرة اما ان كانت تقودك الى منصب شغل فهو علم دنيا

    ان انت الفيزياء تعرفك على الله كنيوتن او انشتاين فهي علم آخرة اما ان كانت تقدوك لمنصب شغل فهي علم دنيا

    ان كانت اصول الفقه و العقيدة تقودك لمنصب امام مع راتب فهذا يعتبر علم
    نيا اما كانت تعرفك على الله فهي علم آخرة

    حجة الاسلام في تجربته الفريدة و التي سافر في الارض متأملا و باحثا عن الله لمدة عشر سنين جعلته يعرف الله رغم انه كان قبلها اشهر معلم للعقيدة في عصره




    اما الثاني :

    فهي الفكرة التي قادت ابو الانبياء ابراهيم للايمان ، و التي قادت سقراط للمعرفة و التي قادت الغزالي و بعده ديكارت للمعرفة : هي الشك

    فالشك هو اساس اليقين ، معرفتنا بالله ان لم يسبقها شك فهي منقوصة

    ردحذف
  2. كلام جميل أخي أسامة فكل علم يدل على الله سبحانه هو علم آخرة وهذه هي النظرة التي يجب أن ينظر إليها المسلمون في هذا الوقت فقد أصبح الإسلام يقتصر على الدعاة الذين يظهرون هنا وهناك في القنوات الإسلامية بينما لا يسوق أبدا بأن المسلم الحق هو المخترع الفلاني أو العالم الفيزيائي أو الريتضي فقط لأنه لا يتكلم عن أمور الدين .
    أما الكلام الثاني فهذا القول فيه اختلاف كبير بين العلماء هل النظر يكون قبل الايمان أم الايمان قبل النظر لكن المتفق عليه أن النظر من الواجبات المفروضة حسب الآية التي ذكرها بن باديس في هذه الفقرة : (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ))

    ردحذف
  3. بارك الله فيك صهيب قد اثرت في الحديث عن الشك مسألة مهمة طبعا هي لا علاقة لها بالشك لكن لاطالما حيرتني مرارا و تكرارا

    فمن ناحية منطقية التفكير سابق للايمان ، يعني لو كان الفرد في عائلة يهودية و قد ولد يهوديا و تربى يهوديا ، تصور تلك الشجاعة التي تجعله يعتنق الاسلام و يغير دينه بمقدار الجرأة التي تجعل احدنا يغير دينه

    هو ليس بالامر السهل لذا كان واجب النظر و التفكر مرارا و تكرارا كي يصل لقليل من المعرفةالتي تجعله يغير رأيه

    و طبعا قالعقل لا يكفي لانه قاصر فمعرفته عز وجل تتحقق بجزء من العقل و جزء مما يلقيه في قلوبنا

    اما بالنسبة للمسلمين ، فما الذي يجعلهم يتفكرون ؟؟ طبعا الشك و اليقين النابع من الشك ارى بانه اقوى و اصدق من اليقين المسلم به

    ردحذف
  4. يعني أن المسلمين أصلا تحقق لديهم الايمان لكن إيمانهم هذا يحتاج إلى ايمان بالنظر والتفكر في ملكوت الله وعظمته والنظر آيات الله السمعية والكونية حتى يتحقق الإيمان الحق أي هنا سبق الإيمان النظر وكان النظر داعما للإيمان ومقويا له
    أما لغير المسلمين فمن النادر بل لا أعتقد أن يسلم - إلا من قذف الله الاسلام في قلبه - مجوسي أو بوذي أو لاديني دون النظر والتأمل ومعرفة جاذبية هذا الدين وعظمة الله قبل ذلك

    ردحذف
  5. جمال طواهري17 أبريل 2013 في 9:16 م

    ما من شك في ان ابن باديس رحمه الله حلقة مهمة جدا في تاريخ الامة الاسلامية و العربية خاصة و الجزائرية بصفة أخص...
    ذلك انه ساهم بشكل مباشر الى دفع حركة النهضة الفكرية التي تسبق كل نهضة... و إذا كانت الكثير من الاصلاحات التي قام بها العديد من المفكرين و المصلحين لم تتجاوز حجم ازماتها..فإن فكر ابن باديس قد جاوز حدوده الجغرافية ليعانق كل عاشق للحرية...
    لقد عاش بن باديس حياته فداء للحرية ..فحرر العقول و القلوب من اغلال الجهل و ظلام الخرافة... و دعا بل و قام بتحرير الابدان و البلدان من قبظة المحتل ...كما أن فكر علامة الجزائر لا يقف في هذا الحد بل كان فكرا بناءا قادرا على بناء دولة بل أمة كانت تملأ عليه قلبه ووجدانه... ولكن هل يا ترى حفظ الاخلاف تراث الاسلاف.. ؟؟؟
    يبقى هذا المقال و غيره ممن يهتم بشؤون البناء جزءا لا يستهان به في حفظ ذلك الموروث الذي ما من شك في كونه علامة فارقة في صناعة النهضة...
    أشكرك اخي الحبيب صهيب على هذه اللفتة المميزة التي حجبت جزءا من الظلام المخيم على كنوز الجزائر و نسفت قدرا كبيرا من الغبار الذي غطى دررا افتقر الى نورها شعبب تائه..

    ردحذف